الغرب والقوة- قراءة في الفكر السياسي وتأثيره على الشرق الأوسط
المؤلف: أسامة يماني11.14.2025

أفاد وزير الدفاع الصهيوني، غالانت، في تصريح أخير: "العين بالعين" هي النهج المتبع في الرد على إيران. هذا التصريح يوضح بجلاء أن الكيان الصهيوني، ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، لا يدركون ولا يوقرون إلا لغة القوة، وهو ما أجبر الكيان على التراجع عن تهديداته ووعيده السابقة. إن مفهوم القوة يشكل إحدى الدعائم الأساسية في الفكر السياسي الغربي، وهو مفهوم ضارب بجذوره في الفلسفة والفكر الغربي ويمتد عبر التاريخ.
يمكن تتبع تطور مفهوم القوة بدءًا من اليونان القديمة، حيث تجلت في النقاشات الواردة في كتابات أفلاطون وأرسطو، والذين قدما تأملات عميقة حول طبيعة القوة والسلطة وكيفية استخدامها في المجتمع. رأى أفلاطون أن الحاكم الفيلسوف هو الأجدر، لأنه يوظف القوة لتحقيق الصالح العام. ثم نجد الرومان الذين أبدوا اهتمامًا بالغًا بالمفاهيم القانونية والسلطوية، مثل قوة القانون وسلطة الحاكم. وفي العصور الوسطى، كانت النظرة إلى القوة تنطلق من منظور ديني وسياسي متداخل، حيث تمتعت الكنيسة بنفوذ واسع على الملوك والحكام. أما في عصر النهضة والتنوير، فقد سعى الفلاسفة والمفكرون التنويريون إلى إعادة تقييم دور القوة وعلاقتها بالحرية والفردية. على سبيل المثال، ناقش جون لوك مفهوم العقد الاجتماعي وكيفية تنظيم القوة في الدولة لضمان حقوق الأفراد. ومع ذلك، ظلت نزعة القوة مهيمنة على الفكر الغربي، الذي يرى في الغرب تميزًا وتفوقًا على سائر العالم. وفي القرنين التاسع عشر والعشرين، شهدنا تطورات كبيرة في مفاهيم القوة.
في عالمنا المعاصر، اتسع مفهوم القوة ليشمل أبعادًا جديدة، مثل القوة الناعمة أو الثقافية، التي لا تعتمد على القوة العسكرية أو الاقتصادية الصارمة، بل على الجاذبية الثقافية والقدرة على التأثير السياسي. إجمالاً، فإن مفهوم القوة في الفكر الغربي هو نتاج تفاعل تاريخي وفكري معقد، تشكل بتأثيرات فلسفية وثقافية وسياسية عبر العصور، حتى أصبح ركيزة أساسية في سياساته الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والفكرية والاجتماعية والعسكرية وفي شتى المجالات الأخرى. فكل شيء يُفرض بالقوة، سواء عن طريق القوة العسكرية أو الثقافية أو القوى الناعمة، وعلى سبيل المثال، نجد فرض الغرب للشذوذ والأفكار المنحرفة.
لفهم العالم فهمًا سليمًا، من الضروري عدم الاكتفاء بالنظر من زاوية واحدة والانبهار بها، كالتقدم التقني والعلمي والمدني. هناك جوانب عديدة أخرى لا ينبغي إغفالها لتحقيق فهم شامل للآخر. فلتأثير المفاهيم دور بالغ الأهمية، لأنها تحدد كيفية تفسير الشخص للمواقف المختلفة وكيفية استجابته لها. وعندما تتغير مفاهيم الشخص، قد يؤدي ذلك إلى تغييرات في شخصيته وسلوكياته.
الولايات المتحدة الأمريكية تحرك قوى التطرف داخل الكيان الصهيوني لتحقيق أهدافها وخططها الرامية إلى إقامة شرق أوسط كبير لا مكان فيه للدول المركزية في المنطقة سوى دولة الكيان الصهيوني، وذلك لكي تتفرغ واشنطن لمعركتها القادمة مع الصين وروسيا والهند، التي باتت قوى منافسة لها. تسعى الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة لتحقيق مصالحها الوطنية والإقليمية في المنطقة، ولا يمثل لها مفهوم الحليف أو الشريك أي قيمة حقيقية، ولهذا تغير واشنطن مواقفها وسياساتها وفقًا لمصالحها ومفهوم القوة الذي تتعامل معه باحترام.
ترى واشنطن في مشروع الشرق الأوسط الكبير الحل الأمثل لفرض سيطرتها على مصادر الطاقة والمعادن والغذاء وكافة الثروات التي تحتاجها لمجابهة القوى الصاعدة مثل الصين والهند. لذلك، تسخر واشنطن وحلفاؤها كل قوتهم بمختلف أنواعها وأشكالها لتحقيق أهدافها. كما تحرص على تقييم ردود الفعل والتعامل معها وتخدير المنطقة للقيام بعملياتها الواحدة تلو الأخرى، فحل معضلات الغرب يكمن في نهب ثروات الشعوب.
تواجه المنطقة خطرًا وجوديًا يستوجب التعامل معه بكل ما نملك من قوة اقتصادية وتحالفات إقليمية، مع ضرورة تنويع مصادر السلاح وإيجاد بدائل لكل ما هو غربي الصنع وإعادة تقييم كافة الاستثمارات المرتبطة بالمعسكر الغربي، فالغرب لا يفهم سوى لغة القوة في جميع الأصعدة. القوة لا تعني بالضرورة الدخول في حروب، بل القوة تكمن في الردع وجعل الثمن الذي يتكبده الآخر باهظًا، مما يجعله يفكر مليًا قبل الإقدام على أي خطوة.
